بقلم الخبير السياحي // معتز صدقي

رحلة إلى عالم بلا تسول…. 

في عالم يتنفس جمال الأماكن وسحر الثقافات، تقف السياحة شامخة كعمود فقري للاقتصاد العالمي. إنها نبض الحياة الذي يسري في شرايين المدن ، محولاً الأحلام إلى حقائق والخيال إلى واقع ملموس.

تخيل معي لحظة، عالماً تتجول فيه بحرية تامة، دون أن يعكر صفو رحلتك متسول يمد يتحرش بك وبأسرتك ويتبعك ويتوعد لك ان لم تشتري منه او تعطي له مما معك وانت تعلم انه محترف وبجيبه العديد من العملات.

لنواجه الحقيقة فظاهرة التسول، كشبح يطارد السياح في أجمل بقاع الأرض، تلقي بظلالها القاتمة على تجارب لا تُنسى.

تخيل أن 68% من السياح يضعون مدى انتشار التسول في الحسبان عند اختيار وجهتهم القادمة. وكأن هذا لم يكن كافياً، فإن 40% من أولئك الذين تعرضوا لمضايقات المتسولين قرروا عدم العودة لتلك الوجهة مرة أخرى. إنها خسارة فادحة لا تقتصر على الأرقام والإحصاءات، بل تمتد لتطال سمعة بلدان بأكملها.

فها هي تايلاند، تقدم لنا درساً في الإبداع والإنسانية. لقد نجحت في تخفيض شكاوى التسول بنسبة مذهلة بلغت 60% في غضون أربع سنوات فقط. كيف؟ ببساطة، لأنها رأت في كل متسول إنساناً يحتاج إلى فرصة، لا مجرد مشكلة تحتاج إلى حل.

فتحت تايلاند أبواب الأمل على مصراعيها، مقدمة للمتسولين فرصة ثانية للحياة. مراكز إعادة التأهيل، دورات تدريبية، فرص تعليمية، ومساعدات مالية مؤقتة – كلها أدوات في يد حكومة مصممة على تحويل المتسولين إلى أفراد منتجين في المجتمع.

وها هي إسبانيا، تسلك طريقاً آخر نحو نفس الهدف. بحزم القانون وصرامة التطبيق، استطاعت برشلونة وحدها أن تخفض أعداد المتسولين بنسبة 45% في عام واحد فقط. إنه درس في أن الحزم، عندما يقترن بالحكمة

أما سنغافورة، فقد اختارت طريقاً وسطاً، مازجة بين صرامة القانون وحنان الرعاية الاجتماعية. إنها رسالة واضحة مفادها أن الحل الأمثل قد يكمن في التوازن بين الردع والمساعدة.

لكن، دعونا نتوقف هل المسألة مجرد أرقام وإحصاءات؟ بالطبع لا. فوراء كل متسول قصة إنسانية، وخلف كل يد ممدودة حياة تحتاج إلى تغيير. إن 70% من المتسولين في المناطق السياحية يعانون من الفقر المدقع وانعدام فرص العمل. و30% منهم أطفال، ضحايا لظروف لم يختاروها.

هنا يكمن التحدي الحقيقي. كيف نوازن بين حماية صناعة السياحة وبين الاستجابة للاحتياجات الإنسانية الملحة؟ كيف نضمن تجربة سياحية خالية من المضايقات دون أن نفقد إنسانيتنا في خضم ذلك؟

الإجابة تكمن في نهج شامل، يجمع بين صرامة القانون ورحمة الإنسانية. إنه نهج يتطلب تعاوناً وثيقاً بين الحكومات والمجتمع المدني والقطاع الخاص. يتطلب استثمارات ضخمة في برامج إعادة التأهيل والتدريب المهني. يحتاج إلى حملات توعية مستمرة، تستهدف السياح والمجتمعات المحلية على حد سواء.

نعم، الطريق طويل وشاق. نعم، هناك تحديات جمة تنتظرنا. لكن النتيجة تستحق كل جهد. تخيل عالماً سياحياً خالياً من التسول، عالماً تزدهر فيه المجتمعات المحلية وتنتعش فيه الاقتصادات. عالماً يستطيع فيه كل إنسان أن يعيش بكرامة، وكل سائح أن يستمتع برحلته دون منغصات.

هذا العالم ليس حلماً بعيد المنال. إنه هدف يمكن تحقيقه، إذا ما توحدت جهودنا وتضافرت إرادتنا. فلنعمل معاً، حكومات وشعوباً، لنحول هذا الحلم إلى حقيقة. لنجعل من السياحة تجربة ساحرة حقاً، خالية من ظل التسول ومضايقاته.

#السياحة_المستدامة #مكافحة_التسول #تجارب_سياحية_إيجابية #تنمية_المجتمعات #سياحة_بلا_مضايقات #الاقتصاد_السياحي #حلول_إنسانية #تمكين_المجتمعات #سياحة_آمنة #تجارب_عالمية_ناجحة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

نرجو اغلاق مانع الاعلانات