رحلة روحانية الى جبل موسي ودير سانت كاترين
تقرير / محمد فاروق
كثيراً منا لا يعلم أهمية إلقاء الضوء على موقع التجلى الأعظم “جبل موسى” ومنطقة الوادى المقدس بسانت كاترين.
فهذا المكان الرائع لو تم إستغلاله سياحياً كما ينبغى لتربحت منة الدولة المصرية مليارات الدولارات سنوياً ولما لا وهو الوادى المقدس الذى تجتمع على قدسيتة وحبة جميع الأديان السماوية الإسلامية والمسيحية واليهودية.
أى أن هذا الموقع يهتم به ويرغب فى زيارتة أكثر من خمسة مليار شخص حول العالم.
سآخذكم معى من خلال السطور التالية لرحلة ممتعة وشيقة بين ربوع الوادى المقدس بسانت كاترين وأتمنى أن تنال هذه الرحلة على رضاكم.
جبل موسى ودير سانت كاترين ؟
2274 مترا فوق سطح البحر هذا هو ارتفاع قمة جبل موسى بمدينة سانت كاترين، والتى يفد إليها فى هذه الفترة من العام سنويا عشرات بل مئات الحجاج المسيحيين خاصة من طائفة الروم الأرثوذكس من اليونان وقبرص وروسيا والمجر وعدد آخر من الدول الأوروبية والأمريكتين وأيضا من مصر.
يصعد الوافدون إلى المنطقة يوميا الى قمة الجبل لمشاهدة شروق الشمس من بين السحب المتناثرة ثم يهبطون الى سفح الجبل حيث دير سانت كاترين أحد أقدم الأديرة والكنائس فى العالم وأحد أهم معالم السياحة الدينية فى مصر على الخريطة العالمية حيث يتزايد زوار الدير مع احتفالات رأس السنة الميلادية فى واحدة من أهم رحلات الحج المسيحى لزيارة الأماكن المقدسة.
تبدأ تجربة صعود الجبل ومرافقة الحجاج المسيحيين فى رحلة الاقتراب من الشمس على قمة جبل موسى فى الثانية عشرة من منتصف الليل يبدأ تفويج المجموعات السياحية للصاعدين إلى الجبل الشاهق عبر مدقات جبلية تدور بشكل حلزونى حول جبل موسى، يمرون على حواف الجبال وأصواتهم تتعالى بالترانيم الانجيلية بلغاتهم المختلفة كل مجموعة تسير خلف مرشدهم السياحى ودليل من البدو متحملين مشاق البرد حيث تنخفض درجة الحرارة على قمة الجبل لتصل الى 4 درجات تحت الصفر ولكن قلوبهم يدفئها الأمل سعيا وراء المشهد الخلاب لشروق الشمس من على قمة الجبل والنزول والتبرك بزيارة دير سانت كاترين فى رحلتهم للحج والزيارة الدينية لإيمانهم أنه الجبل الذى تلقى عليه سيدنا موسى تعاليم التوراة .
الصاعدون إلى الجبل يخففون من أحمال حقائبهم قدر المستطاع لأن طول الرحلة التى تستغرق 5 ساعات تتطلب توفير الجهد، وتحتوى حقائبهم على المياه والعصائر والملابس الثقيلة لتحمل برودة الجو، وفى طريقهم يتواجد عدد من الاستراحات المبنية من الأسمنت صنعها البدو لراحة الأفواج الصاعدة للقمة تقدم لهم الشاى والمشروبات الساخنة والمأكولات الخفيفة لمساعدتهم على استكمال الطريق.
يصف رواد هذة التجربة المثيرة برحلة العمر للصعود الى قمة جبل موسى لمشاهدة شروق الشمس ثم النزول الى دير سانت كاترين بسفح الجبل لعيش تجربة سيدنا موسى حسب وصفهم .
“دليل الجبل” ؟
أبناء البدو المنتشرون على جبل موسى وفى محيطه من الأسفل تلك هى مهنتهم الاساسية حيث يرافقون الأفواج السياحية الصاعدين لمشاهدة شروق الشمس.
جميعهم من قبيلة واحدة وهى الجبالية التى وقعت ميثاقا قديما مع رهبان الدير بحمايته ورعايته والعمل بالسياحة وتقديم خدمات للسائحين القادمين الى دير سانت كاترين والصعود الى جبل موسى.
رافقنا خلال الرحلة أحدهم ويدعى سليمان الجبالى.
إرتدينا الجواكت وأغطية الرأس والقفازات بسبب برودة الطقس والذي ينخفض تدريجيا مع صعودنا إلى ان يصل حتى 4 درجات تحت الصفر على قمة الجبل.
واختار “دليل الجبل” الطريق القديم للصعود وهو “وادي الأربعين” الذى يعد طريقا وعرا كمدق جبلى واحتاج كلا منا تشغيل كشافة اليدوي حتى نستطيع السير فيه مع ظلام الليل الشديد.
وبعد مسافة قصيرة من الصعود ظهر سور من الأحجار بداخله أشجار الصنوبر وغيرها من النباتات وهو سور كنيسة الأربعين، التى يرجع تسميتها وفقا لروايتين الاولى نسبة إلى وادي الأربعين وأخرى إلى الأربعين شهيدا المسيحيين الذين رفضوا ترك الدير المسيحي والعودة الى الوثنية فى عهد الملك ليسينيوس فى أرمينيا الصغرى عام 320م وأدى ذلك إلى قتلهم بطرق وحشية وغالبا ما تكون هذه الكنيسة مغلقة أمام الزيارات.
استكملنا رحلة صعودنا حتى وصلنا الى مكان تاريخي أخر والمعروف بـ”حجر موسى” وهو وفقا لتاريخ المنطقة الحجر الذى ضربه سيدنا “موسى” بعصاه فإنفجر منه الماء للشرب وكان ملفتاً للنظر وجود سور من الحجارة على الصخرة الأثرية ملحق به كنيسة صغيرة وشرح الدليل البدوى لنا أن هذه الكنيسة الصغيرة بنيت بعدما سرق الاسرائيليون خلال احتلال سيناء حجراً مماثلا كان بجانبه وعندما حاولوا نقل الحجر الثاني قام رهبان دير سانت كاترين ببناء كنيسة بسور حجري على هذا الحجر خلال الليل لمنع الاسرائيليين من نقله صباحا وهو ما حدث بالفعل وتبقى آثار محاولة السرقة شاهدة حتى الآن عبارة عن قضيب حديدى تم دقه فى الحجر كما وجدت صخرة كبيرة أخرى بجوار حجر موسى منقوش عليها كلمات باللغة السريانية.
وواصلنا رحلتنا صعودا وسط ظلام الليل الذى ينيره ضوء القمر الخافت وأضواء مصابيحنا ورأينا خلال الصعود أنوار المنازل البدوية أسفل الوادي حيث أنهم يعيشون فى حضن الجبل منذ سنوات طويلة ووصلنا الى نقطة الالتقاء بين الطريق القديم الذى نسلكه “وادي الأربعين” والطريق الحديث نسبيا الذي يسلكه معظم السياح والحجاج المسيحيين من طائفة الروم الارثوذكس لنشاهد قوافل الجمال التي تحمل الزوار من مختلف دول العالم والبعض يفضل الصعود على أقدامه ولكن هذا يتطلب الكثير من الجهد والتعب، وبعد ذلك يستكمل صعود الجبل من خلال السلالم التى يصل عددها الى 750 سلمة حجرية بناها الرهبان منذ أكثر من 600 عام.
الوصول الى القمة :
فى الساعة 5 فجراً وصلنا مع كل الأفواج السياحية الى قمة الجبل لننتظر مايقرب من ساعة لرؤية شروق الشمس بمنظرها المبهر وأنوارها الدافئة والسحاب بشكله الأبيض الجميل الذى تراه محيطا بك وانت على قمة الجبل وبعد ان تشبعت روحنا بهذا المنظر الجميل الذي أبدعه المولى سبحانه وتعالى، بدأنا فى التعرف على ما يوجد بقمة هذا الجبل فهناك كنيسة ومسجد صغيران.
الكنيسة حسب المعروف عنها أنها شيدت على المنطقة التى تسلم فيها النبى موسى ألواح الشريعة أو الوصايا العشر ويعود بناؤها لفترة الإمبراطور جوستنيان أما المسجد فهو يعود للفترة الفاطمية وشيد بالقرب من الكنيسة على القمة من نفس نوع الحجر الجرانيتي الذى شيدت منه الكنيسة.
وتستطيع من أعلى جبل موسى رؤية قمم الجبال الأخرى مثل جبل سانت كاترين والذي يعتبر أعلى جبل في مصر وجبل الربوة والصفصافة وجبل عباس والذي يرجع اسمه نسبة الى عباس حلمي باشا والذي شيد قصر على قمته.
“فرش إيليا ” ؟
فى الساعة 7 صباحاً تبدأ رحلة النزول من جبل موسى باتجاه دير سانت كاترين سلكنا الطريق الأصعب ولكنه الأكثر ابهارا بمناظره من خلال الجبال الخلابة والآثار الدينية التي تمر بها فبعد نزول الـ750 سلمه الحجرية سرنا على طريق مدق صغير، ويصادفك فيه وحدة صحية مغلقة بالجنازير ولا تقدم اى خدمات للزائرين تسير بجوارها وتستكمل طريقك للنزول حتى تصل الى منطقة رائعة الجمال أشجار الصنوبر والنباتات تحيط بـ3 مبان صغيرة تزين المنطقة وسط أحضان جبل موسى وهذا المكان يعرف باسم “فرش النبي إيليا” نسبة الى وجود مغارة النبى إيليا او إيلياس وهى حسب التوراة المنطقة التى هرب فيها من قومه لكى يتعبد في الجبل وبتلك المنطقة توجد ثلاث كنائس صغيره واحدة لإيليا والأخرى ليوشع بن نون والثالثة للقديسة مارينا.
” سانت كاترين ” ؟
بعد ذلك تبدأ النزول عبر الصخرة التى أنشأها الرهبان فى القرن السادس الميلادي وتسمى “سلالم التوبة” وبها بوابتان صخريتان الأولى تسمى بوابة الاعتراف ثم بوابة الغفران وأثناء النزول يبدأ دير سانت كاترين في الظهور بشكله التاريخي الباهر كقطعة فنية وسط جمال الطبيعة والجبال الشاهقة كأوتاد راسخة كأنها تحمى الدير فى أحضان الطبيعة.
استكملنا رحلتنا صوب الدير حتى وصلنا فى الساعة 9 صباحاً ليبدأ “سليمان” دليلنا وسط الجبال في شرح تاريخ الدير الذى أنشأ بناء على أمر الإمبراطورة هيلين أم الإمبراطور قسطنطين عام 432م، ولكن الإمبراطور جستنيان هو من قام فعلياً بالبناء عام 545م، ويحتوى على رفات للقديسة كاترين التي كانت تعيش في الإسكندرية وهى سبب تسمية الدير بسانت كاترين اى “القديسة كاترين”.
و”كاترين” فتاة من عائلة ارستقراطية وثنية ولدت بالإسكندرية 194م آمنت بالمسيحية أثناء اضطهاد الإمبراطور مكسيمينوس للمسيحيين وهاجمته ليقوم بإحضار 50 عالماً ورجال دين واساتذة، كانت كاترين تثق فيهم لكي يقنعوها بالعودة للوثنية ولكن المفاجأة التي هزت الإمبراطور أنها تمكنت من إقناعهم بالدخول الى الدين المسيحي وهربت إلى ان علم مكانها وقتلها، لتظهر بعد ذلك رفاتها فى حلم أحد الرهبان بدير جستنيان فنقلت رفاتها ووضعت داخل هيكل الكنيسة بصندوق رخامي وأصبح الدير يعرف باسمها منذ القرن الحادي عشر الميلادي.
أهم مباني الدير هى الكنيسة الكبيرة وشجرة العليق التى من المعروف أنها اشتعلت لتهدى سيدنا موسى الى الطريق ومسجد صغير بنى فى عصر الفاطميين وهو مبنى بالطوب اللبن والحجر الجرانيتى وهناك مخطوط فى الدير ينص على أن الجامع بنى فى عهد الحاكم بأمر الله، بالإضافة الى بئر سيدنا شعيب ومكتبة الدير التي تحتوى على مخطوطات وكتب تاريخية.
اتمنى أن تكونوا قد استمتعم بالرحلة على أمل بلقاء آخر ورحلة أخرى من رحلات مصرنا الجميلة.