غازى فخرى يكتب اوجاع فلسطين مع توابع الزلزال
بقلم غازى فخرى
القدس … بوابة الارض الى السماء
صحوت قبل قليل , وجلست الى مكتبي وامامي جهاز الكمبيوتر رفيق الليالي لاكتب ذكرياتي عن القدس الحبيبه , وشعرت بهزة ليست بسيطة ونظرت الى نجفة في صالون بيتنا تموج ذهابا وايابا وكان زلزالا طويلا ودعوت الله ان يحفظ مصر ويسلمنا , وكنت اتاهب للكتابة عن قدسنا الحبيبة , وقد رايتها قبل ان اصحو لاداء فريضة الفجر .
مرت بخاطري شوارع القدس العتيقه كما غنتها فيروز , وامشيت في الشوارع , شوارع القدس العتيقة , وتذكرت اخي تميم البرغوثي العزيز حينما قال : في القدس من في القدس الا انت . وكلمات سميح القاسم رحمه الله حينما يؤكد بقبضته وتصميمه عائد , عائد , عائد .
تعودت ان ازور القدس مع والدي واجلس معه في الصباح الباكر على قهوة زعتره على بعد امتار قليلة من مدخل باب العامود , وامر امام صواني التمرية والكعك بالسمسم والبيض المشوي والباعة الجائلين بلعب الاطفال , وياتي اصدقاء والدي من مخاتير القرى الذين عرفت الكثيرين منهم يتحدثون في امور الوطن وهموم الفلاحين , ونتحرك الى دكان صغير بعد ان نسير مسافة في السوق الرئيسي لنصل الى محل زلاطيمو الخبير في صناعة المطبق , والذي اصبح بعد النكببة من اهم مصانع الحلوايات في الاردن , باصنافها المختلفة , ونسير الى سوق الدباغه فيسلم والدي على اصدقائه هناك قرب مدخل كنيسة القيامة وقد اعتدت ان ارافق عمى رحمه الله الذي اعتاد على زيارتهم والجلوس معهم , واعتدنا في الاعراس ان نذهب الى حارة النصارى حيث متجر الحاج السنجلاوي لشراء كسوة العروسة وهدوم العم والخال والصيغة ويدفع اهل العريس جزءا من قيمة الاقمشة والذهب ويتبقى الجزء الاكبر الى موسم العنب , وتزداد القيمة اضعافا . سكنت بعد ذلك وحينما سافر والدي الى نيكاراجوا في امريكا الوسطى في منزل فوق محل السنجلاوي مع اقارب لنا اتوا من نيكاراجوا مصطفى وعيسى وعبد الله وداود , وكنت في السنة الاخيره استعد لامتحانات المترك الاردني , واخرج مع عبد الله الى حارة النصارى ونتجول فى احيائها , ومرت الايام وغادرت للدراسة في القاهرة بعد ان قضيت عاما في المدرسة الرشيدية قرب باب الساهره , وكنت اسكن في شعفاط على بعد كيلومترات من القدس , كنت استعد لامتحانات التوجيهي فاتوجه الى ساحات الاقصى المبارك واقضي معظم النهار هناك , واعود في اسواق القدس ورائحة البخور والفلافل والكباب تفتح الشهية , حتى اصل الى سلالم باب خان الزيت حيث تجلس الامهات الفلاحات يبعن الخضار والفاكهة والبييض وغيرها مما جلبن من القرى , تعودت ان ارى وجوها كثيرة منها السائحين الذين ياتوا الى القدس في اعياد المسيحيين بمجموعات يذهبون الى كنيسة القيامة في طريق الالام حيث سار المسيح يحمل الصليب على كتفيه ليعدم على يد الرومان بعد ان وشى به وتامر عليه اليهود , وكثيرا ما كنت اذهب في بعض هذه الاعياد واشارك المسيحيين في كنيسة القيامة واستمع الى ترانيمهم التي لا افهمها ,
عدت الى القدس الحبيبة في زياراتي المتتالية منذ عام 2012 الى الان بعد ان انقطعت سنتين في جانحة الكورونا , فرايت مدينة غير المدينة التي عرفتها امتلات شوارعها بجنود الغزاة الفاشيين مدججين بالسلاح يشوهون مناظر المدينة الهادئة المسالمة , وترتفع الاعلام الصهيونية على طريق الهوسبيس الى المسجد الاقصى وابوابه وساحاته , فينتابني الحزن والالم يوم اذهب الى الصلاة في الاقصى او في قبة الصخره , وتسحل من عيني دموعا على ما وصل بنا الحال في مدينتنا المقدسة الوادعة , فاذهب لزيارة قبور الاولياء والشهداء واقف اناجي اخي فيصل الحسيني واذكره بايام القاهره يوم كنا معا في رابطة الطلاب الفلسطينيين يملؤنا الامل قبل عام النكسة ونحلم بفلسطين الحرة الخالية من الغزاة , الذين تحدث عنهم تميم والذين رحلوا الى غير رجعه , وها هي القدس اليوم تتعرض للتهويد بمساجدها وكنائسها وشوارعها ويدنسها الغزاة الصهاينه يعتدون ويعربدون ويقتلون ويهدمون ويروعون الامنين من الاطفال والنساء , والكهول , وهاهم اهلنا وشبابنا يواجهون هؤلاء الاعداء وحيدين تخلى عنهم الاهل والعرب والمسلمون ,تعرضون للسجن والاعتقال , والموت بدم بارد . يقف اهلنا بشموخ في القدس ايمانا بحقهم في الحياة الكريمه , يؤمنون بان هذه الارض هي ارض الاباء والاجدد , ومصير هؤلاء ا لغزاة الرحيل كما اجبر غيرهم على الرحيل
ستعود المدينة الى رونقها يوما , وسيسير الاهل في شوارعها كما اعتادوا بهدوء وسكينه , وستجلس الامهات على سلالم باب خان الزيت دون خوف , وسيبقى كعك باب اعامود والتمرية بطعم لذيذ بعيدا عن حراس الصهاينة , ستعود قدسنا بباحات الاقصى المبارك وبكنائسها عزيزة كريمه يوم نطرد الغزاة وينتصر شعبنا كما انتصر في حطين وعين جالوت , واسوار عكا يوم هزم المغول والفرنجة والفرنسيين بقيادة بونابرت على اسوار عكا , وها هي البشائر قد ظهرت يوم اتجه شعبنا الى مقاومة الغزاة في كل فلسطين وقدم الشهداء عن اغلى ارض واغلى وطن , وها هي اسوار القدس تستعد لرفع رايات الانتصار وندعو الله ان يقرب هذا النصر ونرى البسمة على وجوه اطفالنا ونسائنا , ويعود اطفالنا الى شواطىء يافا وحيفا وغزه ينعمون بشمسنا الدافئة ومياهنا الزرقاء بعد ان ازيل عنها التلوث , ودعوت الله ان يجمع شمل شعبنا واهلنا بعد رحلة شتات طالت , تجرعنا الالام والفراق , لكن الله سميع مجيب الدعوات . اترحم على ارواح الشهداء وادعو للاسرى بالحرية من ظلام سجون الاجرام والعنصرية , هذه دعواتي في ليلة الاثنين بعد زلزال ارقني , واحلام وذكريات في قدسنا الحبيبة حماها الله وحفظ شعبنا في كل فلسطين والديار العربية .