الموسيقى شفاء للجسد والروح
من أشهر ما قيل عن الموسيقى أن “ما نعزفه ليس إلا محاكاة إيقاعية للألحان التي تفور في داخل أرواحنا، نحاول ترجمتها من خلال هذه الآلات”.
فالنغمات يمكنها أن تعبّر عن مشاعر الانسان حين تعجز اللغة على اختلافها وتعجز الكلمات والحروف وصف مشاعرك، كما تصلح الموسيقى أن تكون لغة عالمية بين البشر، يمكن من خلالها أن تعبّر عن حبك أو غضبك، فرحك أو حزنك.
في العالم البدائي استخدم الانسان حنجرته لمحاكاة أصوات الطبيعة وأصوات الحيوانات، ومع التطور التدريجي لحياة الانسان صنع الآلات الايقاعية من المواد الخام التي وفرّتها لهم الطبيعة كآلات موسيقية. فالعظام تحولت إلى صفافير، والغاب إلى مزامير، وجلود الحيوانات إلى طبول، ولم تكن الآلات الموسيقية في هذه الفترة الغرض منها الفن بل لها مدلولات خاصة بالشعوذة والطقوس السحرية.
ومع تطور العلوم عبر العصور تطورت الآلات الموسيقية في الشرق والغرب؛ ورغم ذلك ظلّت الأفكار السحرية عن الموسيقى حول شفاء الجسد والروح.
تميّزت الموسيقى البدائية بانعدام التناول العقلي كالتدوين أو أي خلفية نظرية، وأنها تعبّر عن العادات والتقاليد الراسخة للجماعة أو القبيلة، كما أنها كانت تخدم أغراضًا سحرية أكثر منها موسيقية ويظهر ذلك في الطبيعة اللافنية للآلات الموسيقية البدائية. ومع ظهور الحضارات في الشرق اصبح يتم الاعتماد على المحترفين، وتحولت الموسيقى الجماعية البسيطة القبلية إلى موسيقى شعبية.
فالحضارة الصينية استخدمت الموسيقى لنقل معلومات والإعلان عن وقت الحرب، كما اختلطت الموسيقى بالرقص في الاحتفال ببداية السنة الصينية الجديدة والتي تُعرف بــ(رقصة التنين).
أما في الحضارة الهندية، يقول الحكيم “كونفوشيوس” عن أهمية الموسيقى (ان أردت أن تتعرف في بلد ما على إرادته ومبلغ حظّه من الحضارة والمدنيّة، فاستمع إلى موسيقاه)، فالموسيقى في الهند جزأ لا يتجزأ من الحياة الاجتماعية والدينية القديمة، فقد كان لديهم ألحان خاصة بالصيد واستدرار نزول المطر وسطوع الشمس لكي ينمو المحصول.
وفي حضارة بلاد الرافدين كانت تُستخدم الموسيقى في الاحتفالات والمناسبات الدينية والاجتماعية، ولكن فُقدت العديد من الأغاني والمقطوعات الموسيقية على مر العصور، وكان لديهم إله للموسيقى يُدعى “إيا”؛ حيث اعتقدوا أن الموسيقى لها قوّة سحرية على العقل مشابهة لتأثير الأدوية على صحة جسم الانسان وعلاج الأمراض النفسية.
ونفس الحال بالنسبة للحضارة المصرية القديمة، فقد ربطوا بين الموسيقى وعدد من الآلهة؛ كالإلهة “حتحور”و “ايزيس”وغيرهم، وتم استخدام الموسيقى في المناسبات الدينية والجنائزية؛ فقد أظهرت النقوش على المعابد عدد من الآلات الموسيقية كالفلوت، الناي، المزمار، الهارب. وكان العمال وأصحاب الصناعات الحرفية يمارسون عملهم والموسيقى والغناء مصاحبون لهم.
الاغريق أيضًا اعتقدوا أن للموسيقى قوة سحرية، كما اعتقد العالم الشرقي، وتركزت تلك الأفكار السحرية عن الموسيقى حول شفاء الجسد والروح، وكان يرى “ارسطو” أن في حالات التهيّج العصبي يمكن بواسطة أنغام معيّنة إعادة المرضى إلى حالاتهم الطبيعية، وذهبوا إلى أبعد من ذلك فالشر والخير، والنظام والفوضى، كلها كانت تعتمد على الموسيقى في اعتقادهم.
ويظهر في العهد القديم –قبل ميلاد المسيح- أن النساء يغنين ويعزفن الطبول في المناسبات الاحتفالية، وكان معبد بيت المقدس يضم فرقة من المنشدين والمسيقيين المحترفين المدربين، واقتبست المسيحية فيما بعد صلواتها من مزامير العبرانيين.
ومن الواضح أن الموسيقى لعبت دورًا هامًا في أسرار العرّافين والسحرة العرب، فقد كانوا يستدعون الجن بالموسيقى، لذلك اعتقدوا فيما بعد بأن الجن يوحون بالشعر للشعراء. ومع توسّع نطاق الدولة الاسلامية تطورت الموسيقى وآلاتها وظهر اهتمام بالموسيقى، ومن أبرز الموسيقيين العرب في الأندلس “زرياب”، زاد العود وترًا خامسًا، وقد تتلمذ على يد “اسحاق الموصلي”. ويعد “الفارابي” من أشهر من كتب عن الموسيقى والآلات الموسيقية، وبعد سقوط الأندلس انتقلت الآلات العربية كالعود والقيثارة إلى أوروبا.
ويرى”ابن سينا” أن الانسان يمر بحالات نفسية مختلفة، بل ومتناقضة أحيانًا في اليوم الواحد حسب ظروفه ونمط معيشته، لذلك وضع تقسيم زمني لاستعملات النغمات الموسيقية يساعد على الاسترخاء.
فمنذ العصر الاغريقي ومصر القديمة وحتى عصرنا هذا، نجد المعالجون النفسيون الذين يعالجون بالموسيقى، فالموسيقى تصل بسهولة إلى الروح ووسيلة للتحرر من التوتر العصبي.
فمن فوائد الموسيقى العلاجية:-
1- الموسيقى تُحدث تغييرات كيميائية في الدماغ ليس فقط في الجزء الخاص بالتفكير بل أيضًا في الجزء المسئول عن التنفس والعاطفة والاحساس وضربات القلب.
2- يُستخدم العلاج بالموسيقى مع الأطفال الذين لديهم ضعف في الاتصال وتكوين علاقات بالآخرين، حيث تساعدهم على تنمية هذه المهارات.
3- الموسيقى الهادئة تساعد على تقليل نسبة التوتر والقلق والخوف لدى الأصحاء لانها تساعد على الاسترخاء والقدرة على النوم بشكل أفضل.
4- تساعد الموسيقى على تقليل الاحساس بالألم والتعب والارهاق الجسدي لانها تُشتت الانتباه عن حجم الجهد الذي تبذله.
5- تؤثر الموسيقى على المزاج العام للانسان حيث تجعله أكثر سعادة وفرح، وهذا بدوره يقلل من مخاطر الإصابة بالاكتئاب والاضطرابات النفسية الأخرى.
وللموسيقى دورًا أيضًا في التعبير عن الغضب والتمرد على الظلم، نجد موسيقى مثل الفلامنكو يصاحبه رقص تعبيري، وهو من الموسيقى الاسبانية التي تميّزت بالحزن والاكتئاب كتعبير عن الظلم الاجتماعي والبؤس الذي عاشوا فيه في فترة حكم الكنيسة ومحاكم التفتيش، وارتبط هذا الفن بالغجر ولكنه تأثّر بالاغنية الأندلسية البدائية.
فالموسيقة بدأت بهدف خدمة أغراض السحر، معتمدًا فيها الانسان البدائي على آلات من اجسام صلبة خشبية أو معدنية أو جلدية وفرتها له الطبيعة، واحتاجت الموسيقى البدائية فترة زمنية طويلة جدًا قبل أن تصل إلى مرحلة الموسيقى التي يقضي بها الانسان وقت فراغه ويُدخل بها السرور على نفسه، ولكن تعتبر الاجناس البدائية في عصور ما قبل التاريخ هي من غرست البذور التي نبتت منها كل الموسيقى الرفيعة في الشرق والغرب.
د/أميمةابوالوفا
ماجستير العلاقات العامة والاعلام