أهمية السفر والترحال في توسيع آفاق المعرفة والثقافة
عندما نتحدث عن السفر؛ فإن أول ما يجيء بأذهاننا هو الرحّالة المغربي الأشهر في العالم وفي التاريخ (إبن بطوطة)، فقد أصبح اسمه يُطلق على كل شخص كثير السفر والترحال. استمر سفره ما يقرُب من 30 عامًا، ودوّن أسفاره في كتاب بعنوان “تُحْفة النُّظَّارِ في غرائبِ الأَمْصارِ وعجائبِ الأَسْفار”، وصف بها الأماكن والمدن التي زارها وطبائع الشعوب المختلفة التي عاشرها.
وقد نقل لنا التاريخ عن العديد من الذين اكتسبوا شهرتهم من كثرة سفرهم وترحالهم؛ منهم (ماركو بولو) الرحاّلة الايطالي، كتب عن رحلته من أوروبا إلى الصين، حين كان مرافقًا لأميرة مغولية أُرسِلت لبلاد فارس، في كتاب بعنوان “المليون”.
والمسكتشف الانجليزي (جيمس كوك)، أول من اكتشف ورسم خريطة للمحيط الهادي ونيوزيلاندا. والرحّالة (شوانزانغ)، الراهب الصيني الذي اشتهر برحلته البريّة التي دامت 17 عامًا إلى الهند. ومكتشف أمريكا الشهير (كريستوفر كولومبوس)، الذي قام برحلات عِدّة للامريكتين. والرحّالة البرتغالي (فاسكو دا جاما)، أول شخص يربط بين أوروبا وآسيا عبر الطرق البحريّة. وغيرهم من الرحّالة والمستكشفين من جميع أنحاء العالم، أضافوا الكثير باكتشافهم أجزاء جديدة من العالم، لم تكن لتُكتشف لولا حبهم للسفر والترحال.
“أن ترى لمرة واحدة أكثر قيمة من أن تسمع لمئات المرات” .. فإن التنقل من مكان لآخر وتجربة ثقافات جديدة ومتنوعة، أفضل من بقائك في نفس المكان دائمًا دون تجربة حقيقية تجعلك ترى العالم والشعوب الأخرى بشكل واقعي بعيدًا عن الصورة النمطية والاعتقادات التي قد تحملها عنهم، وتُغيّر من طريقة تفكيرك.
قال الامام الشافعي مبينًا فوائد السفر “تَغَرَّبْ عَن الأَوْطَانِ في طَلَبِ الْعُلى .. وَسَافِرْ فَفِي الأَسْفَارِ خَمْسُ فَوَائِدِ .. تَفَرُّجُ هَمٍّ، وَاكْتِسابُ مَعِيشَةٍ، وَعِلْمٌ، وَآدَابٌ، وَصُحْبَةُ مَاجِد”،
وترى ما يقدمه السفر لك من فوائد في أنه:
1- توسّع معرفتك: تحسين معرفتك العامة في مختلف المجالات ومنها كيفية التحدث والتعامل والتواصل مع أشخاص يختلفون عنك في اللغة والأفكار والثقافة وأسلوب الحياة.
2- يوسّع آفاقك ورؤيتك للعالم: التنقل بين أماكن غير مألوفة والتعرف على أنواع جديدة من الطعام والعادات والتقاليد المختلفة عن التي نشأْت عليها في بلدك وتتقبلها وتحترمها، والتعوّد على المعالجة الذهنيّة للأحداث وحِفظ المعلومات مما يُنشّط عملية التفكير.
3- تعلّم لغات جديدة: يُسهّل السفر تعلّم لغة جديدة لقدرتك على ممارسة اللغة مع أصحابها.
4- اكتساب صدقات جديدة: التعامل مع جنسيات وثقافات مختلفة ومتنوعة تجعل لديك القدرة على التعامل مع أنماط الشخصيات المختلفة، والاختلاط والمرونة في التعامل مع الغرباء وسهولة فهمهم.
5- تُثقل شخصيتك: خاصة عندما تسافر بمفردك فتتعلّم الاعتماد على النفس والاهتمام بأمورك الشخصية، لأنك تتعامل وتكتشف الأشياء بنفسك، وتُزيد من احترامك لذاتك وثقتك بنفسك لقدرتك على مواجهة المشكلات وتحمّلها وحلّها.
6- تكوين ذكريات سعيدة: تستطيع عمل ذكريات جيّدة للأماكن والأشخاص الذين قابلتهم وتعاملت معهم تستمر طوال العمر.
7- تقليل التوتر: تساعدعلى الاسترخاء وتغيير النفسية وتحوّلها للأفضل حتى وإن كان السفر للعمل، ولكن للبعض قد يكون مرهقًا للتنقّل لأماكن كثيرة والتعامل مع لغات مختلفة.
8- يُغيّر بعض الحالات المزاجية: وجدت الدراسات النفسية أن الشخص الذي يُسافر يتمتع بثبات وتوافق نفسي قوي مع الذات، لتجديد الروتين الذي اعتاد عليه.
لكن السفر ليس بمقدور كل الناس، فهناك من لديهم عوائق مادية تمنعهم من السفر رغم حبهم لذلك، وهناك من يتأثّر نفسيًا ولا يشعر بالأمان في البُعد عن الأهل والأصدقاء، لذا فإن قراءتك في أدب الرحلات قد يعوّض ذلك ويُرضي شغفك وفضولك في المعرفة والاطلاع على أماكن جديدة ومختلفة من العالم.
والتراث العربي به الكثير من المؤلفات والكُتّاب الذين وثّقوا أسفارهم؛ من هذه المؤلفات، كتاب أنيس منصور (حول العالم في 200 يوم)، كتاب (الأسفار) لجمال الغيطاني، كتاب (أين تذهب طيور المحيط) إبراهيم عبدالمجيد، كتاب (جنوبًا وشرقًا..رحلات رؤى) محمد المخزنجي، كتاب الروائي والصحفي سعد القرش (سبع سماوات)، وكتاب (اساطير السفر السبعة) للكاتبة والرحالّة شيرين عادل، وهي كاتبة متخصصة في كتابة أدب الرحلات.
ورغم أن السفر يساعد البعض على تحسين مزاجهم والحد من التوتر، ويكون لديهم طاقة وقدرة أكبر عند عودتهم من السفر، إلا أنه ليس بالنسبة للكل، فهناك من يتأثّر بقلّة النوم وتغيير روتين اليوم والتعامل مع الغرباء، وهناك من يقعون في المشكلات بسبب اختلاف اللغة ووجود قوانين وعادات اجتماعية لا يعرفونها.
د/ أميمة عصام ابوالوفا
ماجستيرالعلاقات العامة والاعلام