أدب وشعراء

البداية والنهاية في الأندلس

 

راودتني فكرة الكتابة عن الأندلس بعد قراءتي رواية “هاتف من الأندلس” للكاتب (علي الجارم)، تحكي عن الأميرة الولّادة بنت المستكفي والشاعر الوزير إبن زيدون؛ قصة حب لإمرأة تُدير جلسات لإلقاء الشعر وكانت هي نفسها تُباريهم في قول الشعر.

 

 

 

 

واستوقفني الترف والحرية التي عاشت بها المرأة بالأندلس، لقول الشعر مثل الرجال بل وفي مجلس من إدارتها، وتختار وتحب بإرادتها ويتسابق الرجال أيضًا في اقناعها، ورغم أن السياسة والدسائس فرّقت بينها وبين إبن زيدون، استطاعت أن تختار ألا تتزوج وأن تعيش عزباء.

 

 

 

 

 

 

  ليقع بين يديّ بعدها رواية الكاتبة رضوى عاشور “ثلاثية غرناطة”؛ فتأخذني الرواية للحياة في الأندلس وأعيش مرارة سقوط كل مملكة بها، وانقلاب حياة الناس بها رأس على عقب بعد اخضاع ازابيلا وفرناندو للأندلس، فتركوا بيوتهم قسرًا وأُجبروا على اعتناق دين آخر وهجر طقوسهم وأعيادهم الدينية وحتى أسمائهم حُرموا منها وأُلصقت بهم أسماء جديدة أجنبية لا تُشبههم.

 

 

 

 

 

 

كان الفارق بين الحياة التي عشتها مع كل رواية من الروايتين سبب في أن تراودني أفكار عن الأندلس، كيف وصل إليها العرب؟ وكيف عاشوا بها؟ وكيف كانت النهاية؟، ودفعني الفضول أن أبحث عن إجابات.

فساعدني كتاب (ستانلي لين بول) “قصة العرب في اسبانيا” على إيجاد إجابات؛ وعرفت منه كيف وصل العرب –طارق بن زياد وأتباعه- إلى اسبانيا؛ حيث كانت بلاد كثرت بها الحروب والنزاعات وضعف حكّامها، ومن هنا استطاع العرب دخول اسبانيا والاستقرار بها.

وشهدت الأندلس حكّام عرب فرسان تميّزوا بالشجاعة؛ مثل عبد الرحمن الداخل، وعبد الرحمن الناصر، والحكم المستنصر بالله، استطاعوا أن يوحّدوا الأقطار التي دخلوها. 

 

 

 

 

 

 

 

وقد نقلوا معهم الأشجار والزهور التي لطالما أحبّوها من بلادهم وزرعوها في قصورهم التي بنوها في اسبانيا ليجعلوها بلاد جميلة تُشبه دمشق وغيرها من بلاد العرب التي عاشوا بها؛ حتى اصبحت هي الأندلس جنة على الأرض.

وتميّزت الأندلس في ذلك الوقت بأجمل المدن:

o مدينة الزهراء التي بناها الخليفة الأموي عبد الرحمن الناصر لزوجته حبًا بها،

o قنطرة قرطبة بها 17 قوس، بين كل قوس والآخر 50 شبرًا، وسعة كل قوس 50 شبرًا أيضًا،

 

 

 

 

 

o برج الذهب العسكري بـ اشبيلية تميّز عن غيره بأن به 12 ضلعًا وهو يعتبر ابتكار معماري، وقد شُيّد للسيطرة على الحركة المرورية بين اشبيلية والأندلس، وقد تحوّل لسجن في العصور الوسطى، أما الآن فهو متحف،

o مسجد قرطبة يبدو كقلعة ذات أسوار وأبراج بلغت مأذنته 23,5 متر، وكانت تُعد من عجائب الدنيا ولكنها هُدمت،

 

 

 

 

o قصر الحمراء بـ غرناطة، هدم جزء منها شارل الخامس وقام ببناء قصر على طراز عصر النهضة ولم يُخرّب باقي الاجزاء، كما كان بها “نافورة الأسود” على حوضها المستدير 12 أسدًا من الرخام تخرج المياه من أفواهها تبعًا لساعات الليل والنهار، وقد تعطلت مخارج المياه حين حاول الاسبان التعرف على سر تدفق المياه بالشكل الزمني الذي كانت عليه،

 

 

 

 

 

وغيرهم من المدن التي تميّزت بعمارة وفنون تختلف عن غيرها، فقد أبدع الفنانون والمهندسون في البناء والفن الإسلامي لشوارع وقصور المدن الأندلسية.

كل هذا الفن والجمال المعماري باقٍ حتى الآن رغم ما مرّ بها من تخريب، ولم تترك الأندلس ورائها قبل الرحيل فن وعمارة وقصور فقط بل تركت أيضًا علوم اجتماعية ورياضية وكيميائية وفيزيائية.

فمثلما أحضر الحكّام العرب معهم الزهور والأشجار النادرة إلى الأندلس، أحضروا معهم العلوم والعلماء في المجالات المختلفة، وقتما أُعدم جاليليو بأوروبا لأنه اختلف عِلميًا مع الكنيسة، في حين كان العرب يكتشفون في العلوم بلا حذر أو احساس بالخطر ولم يكن الدين لديهم حاجز.

 

 

 

 

 

ولم يتميّز علماء الأندلس في مجال واحد فقط بل جمعوا بين مجالات مختلفة من طب وهندسة وعِلم نبات وصيدلة وفلسفة وفلك واجتماع وجغرافيا، فقد وضعوا أسس للعلوم ورسموا خرائط ساعدت فيما توصّل إليه العلماء في العصور التالية، كل هذا التطور في العلوم دليل بالغ على وجود حرية وإيمان من الحكّام بأهمية العِلم؛ فالحكم المستنصر بالله نشر المكتبات العامة واهتم بالتعليم وتقرّب له الحكّام بإهدائه الكتب.

 

 

 

 

فمن أشهر علماء النباتات والأعشاب والصيدلة ابن البيطار، ابو بكر الاشبيلي، ابن العوام، وفي الفلسفة ابن رشد والادريسي، الذي اهتم أيضًا بالجغرافيا، فهو يعتبر مؤسس عِلم الجغرافيا وتم الاعتماد على مصوراته وخرائطه في اكتشافات عصر النهضة الاوروبية، كما أسس ابن خالدون عِلم الاجتماع.

 

 

 

 

 

أما في الهندسة فيعتبر ابن فرناس وابن السمح أول من فكّروا بالطيران، وفي الطب حقق الزهراوي انجازات في الجراحة وإزالة الأورام، واختراع أدوات الجراحة التي يتم استخدامها حتى الآن، والطبيب موسى بن ميمون كان من أشهر الأطباء بقصور الحكّام، ومازال تمثاله قائم حتى الآن بمدينة قرطبة باسبانيا.

 

 

 

 

لكن ذلك قد تغيّر ولم يبق حال الحكّام العرب بالأندلس على نفس القوة ولم يظلّوا بنفس الشجاعة، فبدأوا يفقدون الأندلس مملكلة تلو الأخرى إلى أن سقطت غرناطة آخر ممالك الأندلس.

 

 

 

وظن العرب أن المعاهدات قد تضمن لهم الحِفاظ على هويتهم، ولكن محاكم التفتيش جرّدوا الناس من أديانهم ومعتقداتهم وأجبروا على المسيحية وتغيير دياناتهم وأسمائهم.

 

 بقلم        د/  أميمة ابوالوفا

                                                         ماجستيرالعلاقات العامة والاعلام

 

 

أحمد سالم الملواني

كاتب صحفي ورئيس مجلس الادارة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

نرجو اغلاق مانع الاعلانات