اخبار العاصمة الآن

الحلي والمجوهرات .. زينة وطلاسم

لأن الانسان خلقه الله في احسن صورة، فإنه كان ومازال يبحث أن يُصبح أكثر جمالًا وأفضل هيئة، فتزيّنت النساء بالفضة

كتب/دكتورة أميمة أبو الوفاء

لأن الانسان خلقه الله في احسن صورة، فإنه كان ومازال يبحث أن يُصبح أكثر جمالًا وأفضل هيئة، فتزيّنت النساء بالفضة والذهب والأحجار الكريمة، ولبست الخلاخيل والقلائد والأساور، وكذلك الرجال زيّنوا ملابسهم بخيوط الذهب والفضة والخواتم لإظهار الثراء وزيّن الملوك تيجانهم؛ ولكن هل كانت دائمًا الحلي يلبسها الانسان للتزيّن والتأنق فقط أم كانت تحمل دلائل ومعانٍ..!

 

 

 

 

فالقبائل البدائية والعصور القديمة ارتدوا الحلي لأغراض أخرى مع التزيّن، فمنها الدينية، ومنها السحرية، للحماية من السوء والشرور أو لجلب الخير والحظ الجيد، ووقتها كانت الحلي يتم صنعها من أغصان النباتات والأصداف وأسنان الحيوانات وعظامها.

 

 

 

 

سعى الانسان دائمًا من بداية الخلق إلى التعبير عن نفسه وعن مشاعره ومخاوفه وكذلك عن سعادته وأفراحه، مستخدمًا في ذلك أساليب عديدة؛ كالرسم على النسيج والفخار والوشم على الجسم، كما استخدم الألوان والحلي لإعطاء دلالات معيّنة وذان معنى تعبّر عن حالته المزاجية ولكي تجلب له الحظ السعيد أو تحميه من السوء والشرور سواء كان ذلك في الحياة الدنيا أو بعد الممات في القبور.

وكان للألوان دلالات استوحاها الانسان من الألوان التي منحها الله للطبيعة، فلون السماء الأزرق أصبح لونًا للوقاية من الحسد ودليل على القوة، والأصفر للحسد، والأحمر للعنف، والأبيض للطهر، والأسود للحزن، وارتبطت الألوان أيضًا بالوشوم.

 

 

 

 

فقد لجأت أيضًا القبائل البدائية في عصور ما قبل التاريخ إلى الوشم على أجسادهم؛ فكانت بالنسبة لهم تعويذة ضد الأرواح الشريرة ووقاية من أضرار السحر. كما أن هناك علاقة بين الوشم والطوطم الخاص بكل قبيلة من القبائل بإفريقيا، وهو رمز يمثّل صفات مميزة لمجتمع أو جماعة بشرية وقد تأخذ شكل حيوان أو طائر أو نبات أو ظاهرة طبيعية يعتقدون أن بينهم وبينها ارتباط روحي. 

وقد كانوا يرسمون هذا الطوطم على أجسادهم وملابسهم وبيوتهم، وكان له احترامًا وقدسية لديهم حيث يعبّرون بها عن معتقداتهم ويتعرّفون من خلالها على الرجل التابع للقبيلة والحروب التي شارك بها. 

 

 

 

 

وكانت النساء تصنعن الوشوم بغرض التجميل وكذلك أيضًا لتحديد وضعها الاجتماعي متزوجة أم مازالت تبحث عن الزواج، والمصري القديم اعتقد أن الوشوم لها قوة سحرية في شفاء الأجساد.

وهذا هو الحال أيضًا بالنسبة للحلي؛ فقد قام الانسان بارتدائها في العصور القديمة وعند القبائل البدائية لأغراض أخرى مع التزيّن؛ فأصبح لها أدوار دينية وسحرية واجتماعية، كما أنها تعبّر عن ثقافات وعقائد الشعوب المختلفة.

 

 

 

 

• الدور الديني والسحري للحلي: ارتبطت بالعقائد الدينية والتقاليد الخاصة بكل قبيلة، كما أنها كانت تُستخدم كطلسم وتعويذة، فقد كانوا يرتدون الأنواط برقابهم والتمائم ظنًا منهم بأن لها فوائد علاجية ووقائية من القوى الشريرة والحسد؛ حيث إن دلالة الرموز والأشكال الداخلية لتلك الحلى هي من تساعد على حمايتهم؛ فاليد (الخامسة) هي الأكثر شيوعًا وتحمي من الحسد، السمكة (الحوته) ترمز للخصوبة يرتديها الرجل والمرأة خوفًا من إصابتهم بالعقم، الثعبان هو رمز للبعث وكذلك رمز للعلم.

 

 

 

 

• الدور الاجتماعي والاقتصادي للحلى: تعتبر وسيلة لإظهار المكانة الاجتماعية، إذا ما كانت أسْرة غنيّة أم فقيرة، حيث إنها كانت ترتبط في الماضي بكميّة المجوهرات التي ترتديها المرأة في المناسبات والأفراح المختلفة، كما أنها دلالة على الحالة الاجتماعية للإنسان، فلبْس الخاتم في الاصبع اليوم يُترجم زواج. وتعتبر المجوهرات نوعًا من رأس المال للمرأة والأسْرة يمكن تحويلها إلى نقود في حالة الضرورة؛ فهي مدخرات صالحة للتبادل وتُباع عند الحاجة.

 

 

 

 

• الدور التاريخي والثقافي للحلى: تعتبر وثائق فنيّة جسدت حياة وفكر ومعتقدات الانسان ولها قيمة حضارية حيث تُشير إلى المميزات الفنيّة والثقافية التي عاصر الانسان في الفترة التاريخية التي تعود إليها هذه الحلى؛ فقد تطورت الحلى في صناعتها من النباتات والعظام في العصور البدائية إلى الإبداع الفني والذوق الرفيع الذي وصل إله الصنّاع في تشكيل وصياغة الحلى والمجوهرات.

وكان للحلى دلالات أيضًا تختلف باختلاف الشعوب؛ فعند الامازيغ (شمال إفريقيا والمغرب)؛ كان للفضة قيمة ثقافية لما يرمز إليه بياضها فتمثّل الصفاء والنقاء والحب والأمان، لذلك صُنعت حليّهم من الفضة. 

 

 

 

 

أما في مصر القديمة؛ كان هناك اهتمامًا بالحلي خاصة بين النساء لما يعطيها من جمال وسحر، ولكن أيضًا ارتدى الملوك الخواتم لاستخدامها كختم يُنقش عليه اسم صاحبه، أو خواتم عليها كتابات ورسوم لجلب الفأل الحسن، كما أن للأحجار المستخدمة في صناعة الحلي دلالات عند المصري القديم؛ فالفيروز ارتبط بالإله “أوزير” رب الموتى والبعث والخلود، أما حجر اللازورد رمز للطمأنينة والقوة والمعرفة الداخلية، والذهب ارتبط بعقيدة الشمس، الإله “رع”، وتم استخدام الذهب بكثرة في صناعة التمائم لما اعتقدوا فيه المصريين القدماء من قدرات سحرية، والعديد من الحلى التي تم اكتشافها كانت تأخذ شكل “عين حورس” أو “الخنفساء السوداء” وهي شعار للحماية من الشرور والحسد، كما أن بعض الرموز الهيروغليفية التي تم نقشها على الحلي كان يُقصد بها تحقيق الرغبات والأمنيات السعيدة.

 

 

 

 

وفي الثقافة العربية الإسلامية؛ تنوعت اشكال الحلي والمعادن المصنوعة منها، ولم تحمل دلائل عقائدية أو سحرية، ولكن دلالاتها كانت اجتماعية أو اقتصادية للرجل والمرأة، كما أنه تم استخدامها للتزيّن لدى النساء فقط دون الرجال لتحريمها.

 

 

 

 

أما في عصرنا الحالي؛ فقد اختلفت أغلب هذه الدلالات للحلي واستخداماتها في أغراض السحر أو التعبير عن العقائد الدينية الشعبية، وإن كان لايزال يتم استخدام رمز العين الزرقاء والكف، ووضعها بالقلائد بغرض الحماية من الحسد، كتراث شعبي لا أكثر، لكن الحلي والمجوهرات حاليًا وسيلة من وسائل الزينة لدى النساء خاصة بالمناسبات والأعراس.

 

 

 

 

وكما اهتم الملوك بتزيين تيجانهم بالأحجار الكريمة، كذلك صنعوا العملات الذهبية ونقشوا أسمائهم عليها. وقد تميّزت كل منطقة أو دولة بأشكال للحلي مختلفة في صياغتها عن غيرها.

أحمد سالم الملواني

كاتب صحفي ورئيس مجلس الادارة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

نرجو اغلاق مانع الاعلانات